حاجز الأنواع :
مع ظهور الايدز، يمكن القول أن مبدأ ما يسمى بحاجز الأنواع قد سقط إلى غير رجعة، ففي الماضي كأن الاعتقاد السائد أن الفيروسات تراعي مسألة حاجز الأنواع بمعنى أنها لا تتعدى على خصوصية ( مضيفها ) الإنسان أو الحيوان الذي ترغب في النمو والتطور لديه، اللهم إلا الفيروس المسبب لداء الكلب، اذ لديه القدرة على المرور بحرية من كائن لآخر .
ويشير البروفيسور دونيس راسشايرت المسئول عن فريق “ الفيروسات وحاجز الأنواع ” في معهد البحث العلمي في مدينة تور الفرنسية ، إلى أن هذا المبدأ حديث الظهور بين العلماء، فقد تم اختراعه في اللحظة التي أثبت فيها هؤلاء أن فيروس الايدز ظهر في البداية عند القردة .
ويكمن الخطر الحقيقي والقلق الشديد عند منظمة الصحة العالمية، في أن تكون الفيروسات الجديدة متلائمة مع مضيفها الجديد (الإنسان) بمعنى أن تكون قادرة على إحداث العدوى بين الأشخاص .
ويتساءل البعض ما الذي يجعل هذا الحاجز الموجود بين المجموعات الحيوانية يتجسد بشكل مختلف في كل مرض ، ومن النادر جداً أن يتم اجتيازه ؟
في هذا الصدد يؤكد علماء البيولوجيا أن السبب في عدم اجتياز هذا الحاجز إلا نادراً، يعود في جزء كبير منه إلى أنه يعتبر حاجزاً بيولوجياً قوياً يجبر الفيروسات على التأقلم على المستوى الجيني .
ومن الناحية العملية نلاحظ أن غالبية هذه الفيروسات غير قادرة على عبور الحاجز، ولذا نجدها تتكاثر بشكل كبير. وفي المقابل، نجد أن بعض الفيروسات الأخرى كالايدز وأنفلونزا الطيور تشترك في القدرة على التبدل السريع وهذا ما يمكّنها من تغيير أشكالها بأقصى سرعة ، ونتيجة لذلك ، نلاحظ أن عدداً كبيراً منها يختفي خلال التطورات المتتابعة ويترك المكان لفيروسات أخرى كي تطلق العنان لسمومها المهلكة . وتلك هي الطريقة التي استطاع بها الفيروس HSN1 المسبب لأنفلونزا الطيور في دول شرق آسيا، أن يتعرف بها إلى الخلايا البشرية ويدخل إليها .
فيروس أنفلونزا الدجاج :
والمعروف أن هذا الفيروس لم يكن في الأصل فتاكاً، بل كأن يتضاعف عند البط البري دون أن يجعلها تصاب بأي مرض، وفجأة ودون سابق إنذار، أصاب هذا الفيروس الدجاج وبدأ بالتغير في خلاياها، لأنه لم يكن متأقلماً مع البيئة الجديدة، الأمر الذي جعله يتطور على مزاجه وبطريقته الخاصة على حد قول فيرونيك جوستان المتخصصة في مرض أنفلونزا الطيور والتي كانت ضمن الفريق الطبي الذي أرسل إلى فيتنام مع نهاية شهر يناير/ كانون الثاني 2004.
وترى جوستان أن الأشهر القليلة التي تغير فيها الفيروس عند الدجاج جعلته أشد فتكاً وخطورة إلى درجة أن نسبة نفوق الدجاج المصاب تقترب حثيثاً من 100% .
وتشير جوستان إلى أن فيروس أنفلونزا الدجاج ليس الا في المرحلة الاستكشافية ولم يطب له المقام عند الإنسان بعد ، والدليل على ذلك أنه غير قادر على التكاثر أو التضاعف والانتقال من شخص لآخر، ومن هنا يمكن القول أن نسبة اجتيازه للحاجز النوعي البيولوجي بلغت النصف حتى الآن، ولابد له من أن يتعرض إلى بعض الطفرات الجينية كي يعبر النصف الآخر ويصيب الإنسان بنفس طريقة الدجاج، وتتطلب هذه المرحلة عدة أشهر كي يبلغ هذا الهدف، وتحذر جوستان أن ثمة طريقة أسرع من هذه، تتمثل في التزاوج بين هذا الفيروس وفيروس الأنفلونزا الذي يصيب الإنسان عند أحد الأشخاص، وهناك ستقع الكارثة !
ويمكن للفيروس أيضا أن يقوم بهذه العملية عند لخنازير، وهذا ما سمعنا به في الآونة الأخيرة، حيث يمكن للخنزير أن يحتضن الفيروسين على شكل فيروس من نوع آخر أشد خطراً منهما، ويتم ذلك عن طريق انصهار الفيروسين في خلية واحدة ثم يقوم كل فيروس بإطلاق مادته الوراثية الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إمكانية تبادل الجينات من خلال كسر الأغشية النووية لكل منهما، وتكوين فيروس جديد يصعب على النظام المناعي لجسم الإنسان التعرف إليه.
ولكن متى يمكن أن يحدث ذلك؟ بالطبع لا يمكن لأحد أن يحدد لك، الا عندما تحدث هذه الطفرة بالفعل. ويعتقد البعض أنه ربما تكون هذه الطفرة قد حدثت في الدول الواقعة عند المدارين مثل فيتنام أو إندونيسيا حيث ينتشر فيروس الأنفلونزا الذي يصيب الإنسان على مدار السنة.
وتذكر سيلفي فأن درويرف المتخصصة في الفيروسات المسببة للأمراض التنفسية في معهد باستور أن إحدى السائحات الألمانيات أصيبت بفيروس الأنفلونزا بعد عودتها من تايلأند الامر الذي سبب اضطراباً في ألمانيا . ومنذ سنة بالضبط، وبالتحديد في شهر فبراير/شباط ،2003 ظهرت الحالة الأولى للإصابة بفيروس الطيور في هولندا حيث أشيع أن هذه الإصابة تمت جراء عدوى انتقلت من شخص لآخر، وقد تم بالفعل التعرف إلى فيروس يصيب الدجاج يسمى H7N7 وهو نسخة اخرى من الفيروس الأصلي H5N1. وقد أصيب بهذا الفيروس حوالي 38 شخصاً توفي على إثر ذلك أحد المتخصصين في علم الفيروسات، كما حدثت ثلاث حالات عدوى في إحدى العائلات .
وكان تقرير للوكالة الفرنسية للأمن الصحي للمنتجات الصحية أشار في شهر مايو/ أيار عام 2003 إلى وجود خطر نظري يتعلق بإعادة التصنيف الجيني بين الفيروسات البشرية وتلك الحيوانية لمرض الأنفلونزا . وأضاف التقرير أن هذه الظاهرة هي التي سببت الأوبئة العامة بمرض الأنفلونزا خلال القرن العشرين .
ويشير العاملون في الوكالة أنه إذا كأن العالم قد استطاع تجنب هذا الوباء خلال العام الماضي ، فإنما يعود ذلك في جزء كبير منه إلى انخفاض معدل خطورة الفيروس H7N7 عن نظيره H5N1 الخطير ، كما أن الوسائل المتوافرة للوقاية من هذا الفيروس في الدول المتقدمة، أكثر فعالية من تلك الموجودة في دول شرق آسيا . يذكر أن الحالة الوحيدة التي تم اكتشافها مصابة بفيروس H5N1، ظهرت في هونج كونج في العام 1997[size=12].